ضرورة الوعي بالأمن السبراني
في عالم يقضي فيه الناس جزءًا كبيرًا من وقتهم في الفضاء السبراني، وبالأخص ذلك الجزء الخاص والحساس جدًا من حياتهم الشخصية، أصبح الوعي بأمن المعلومات (أو الوعي السبراني Cybersecurity) ضرورة ملحّة. لا يقتصر الأمر على مجرد التصفح الآمن والواعي للإنترنت، بل يشمل أيضًا كيفية تعاملنا مع هواتفنا التي تحوي كثيرًا من الصور والمحادثات والبيانات الخاصة التي لا نريد للغير أن يطّلع عليها، ناهيك عن أن يقوم أحد ما بالاستيلاء عليها أو تسريبها.
قبل الحديث عن الوعي السبراني كضرورة، أجد أنه من الضروري أن أبدأ بتعريف ما أعنيه بهذه الكلمة. كلمة سبراني هي تعريب لكلمة Cyber المأخوذة من كلمة Cybernetics (علم دراسة أنظمة التحكم والتواصل في الكائنات الحية والآلات). بمرور الوقت، أصبحت كلمة Cyber صفةً تأتي قبل أي كلمة لتربطها بعالم الكمبيوتر والاتصالات الرقمية، فصار لدينا cyber crime, cyber attack, cyber culture، وبالتأكيد: Cyber Security. إذًا، الأمن السبراني هو كل ما يتعلق بحماية الكمبيوترات والشبكات والمعلومات الرقمية من (الهجمات السبرانية Cyber attacks) المنتشرة عبر (الفضاء السبراني Cyber Space). وبذلك يكون الأمن السبراني فرعًا مهمًا تحت مظلة (أمن المعلومات)، والذي يشمل حماية كافة المعلومات سواءً أكانت في الفضاء السبراني أم خارجه (مثل أن تكون المعلومات موجودة في مستندات ورقية أو حتى داخل عقول بشرية).
الوعي بالأمن السبراني هو ألّا يكتفي الفرد بمعرفة كيفية استخدام التكنولوجيا والتطبيقات الحديثة، أو معرفة أحدث موديلات الهواتف الذكية والفرق بينها، بل ينبغي أيضًا أن يكون على اطلاع ولو بالجوانب البسيطة لكيفية عملها وكيفية انتقال/تخزين بياناته بواسطتها. إن من شأن هذه المعرفة البسيطة أن تحمي المستخدم من سوء الاستخدام، أي الاستخدام الذي قد يضع بياناتنا الخاصة في خطر، أو الذي قد يفتح للغير أبواب انتهاك خصوصيتنا (السبرانية). فمثلًا، مع انتشار مواقع وتطبيقات البنوك التي تتيح للشخص القيام بمعاملاته البنكية على شبكة الإنترنت، ينبغي أن يكون المستخدم قادرًا على تقييم أمن هذه القناة بينه وبين البنك، والتي ستنتقل عبرها بيانات ومعلومات حساسة جدًا تخص أمواله وممتلكاته. تعمدت هنا أن استخدام البنوك كمثال لأبيّن أن الأمن السيبراني لا يتعلق فقط بالصور أو المحادثات الشخصية، بل يمتد ليشمل أتفه ما يمكن أن تفكّر فيه إلى أهم ما يمكن أن تفكر فيه، وهذا أمر طبيعي في عالم لم يعد فيه الإنترنت مجرد وسيلة تسلية، بل بات عصبًا مهمًا لإنجاز الكثير من المهام اليومية.
المخيف في الأمر أن بعض -وللأسف، كثير من- أصحاب المواقع والتطبيقات (حتى الرسمية منها) لا يشعر بالمسؤولية تجاه أمن وسلامة بيانات المستخدمين. قد يكون ذلك إهمالًا أو جهلًا، لا يهم، طالما أن النتيجة واحدة: تعريض بيانات المستخدمين للخطر. في رأيي، المسؤولية هنا تقع هي مسؤولية الطرفين: صاحب الموقع والمستخدم، إلا أن الجزء الأكبر يقع على عاتق صاحب الموقع، فهو الطرف القادر على تحصين خدماته وحمايتها حتى وإن لم يكن المستخدم على وعي عال فيما يخص أمن المعلومات. (عندما أتحدث عن “صاحب” الموقع هنا، فأنا أقصد جميع المسؤولين عن ذلك الموقع أو التطبيق، وليس بالضرورة شخصًا بعينه). أما مسؤولية المستخدم فهي أن يتسلح بالمعرفة ولو البسيطة، والتي تعطيه القدرة على تقييم المخاطر في كل تحركاته، دون الحاجة إلى فهم متعمق للتقنية. فمثلًا، كثير من برامج التصفح الآن تسهّل على المستخدم معرفة ما إذا كان الموقع التي يزوره آمنًا أم لا، دون الحاجة لمعرفة ما يجعل الموقع آمنًا من ناحية تقنية. إن ما يحتاجه المستخدم العادي هو هذا النوع من المعرفة، وهذا مشابه لمعرفة أن الأسلاك الكهربائية المكشوفة أخطر من تلك المغطاة، دون الحاجة لمعرفة متعمقة في الكهرباء وقوانينها.
كثير من برامج التصفح تعرض لمستخدميها تنبيهات مماثلة عند تصفح مواقع غير آمنة، كل ما على المستخدم هو الانتباه لهذه التنبيهات
رأيت بنفسي كيف أن بعض المواقع لا تلتزم بألف باء الأمن السبراني، وكيف أنه يمكن الحصول على الكلمات السرية لمرتاديها باستخدام برامج بسيطة للتنصت على الشبكات (Sniffers). كما قلت، قد يكون هذا محض جهل، ولكن النتيجة لن تختلف، ولا يمكن لهذا الجهل أن يغتفر في ظل انتشار الهجمات السبرانية وتطور تقنيات وأساليب الحماية الفعالة من هذه الهجمات. فأمر مثل التنصت على التواصل بين السيرفر والمستخدم يمكن حله بكل بساطة عبر تشفير هذا الاتصال.
إنّ إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السبراني في المملكة العربية السعودية هو خطوة ممتازة في اتجاه الأمن السبراني، والمأمول من هذه الجهة أن تأخذ على عاتقها مهمة تأسيس ثقافة الأمن السبراني عند عامة الشعب، وذلك عن طريق المنشورات أو المواد المرئية في مواقع التواصل والقنوات التلفزيونية. ذلك أن الوعي الصحي، والوعي بوسائل السلامة، والوعي السبراني، هي كلها ثقافات يحتاجها إنسان هذا العصر لكي يسلم من المخاطر المحيطة به دون أن يشعر بها