1 – ماهي نظم المعلومات الإدارية MIS ؟

في رأيي الشخصي، أفضل تعريف لنظم المعلومات الإدارية ( والتي يُترجمها البعض بشكل خاطئ إلى إدارة نظم المعلومات) هو أنها مجال هجين بين تقنيات المعلومات (IT) والعلوم والعلوم الإدارية العامة. هذا الخليط من الحاسب الآلي والإدارة يهدف بشكل أساس إلى تعزيز العمليات التي تقوم بها الشركات أو المؤسسات، كما يهدف إلى تعزيز عمليات صنع القرار لدى هذه المنشآت.

قد يختلف البعض من الدارسين مع دقة هذا التعريف لنظم المعلومات الإدارية، ولكنه يبقى تعريفًا صالحًا في ظل غياب تعريف موحد مُجمَع عليه عالميًا. لا أعتقد أن أحدًا سيقول عن هذا التعريف أنه تعريف خاطئ، ولكنني متأكد من أن الكثيرين سيطرحون تعريفاتهم المختلفة في شموليتها أو تفصيلها.

في عصرنا هذا، عصر السرعة وتضخم تقنيات المعلومات، يتعامل كل فرد منا مع نظم المعلومات الإدارية في كل يوم -تقريبًا-، سواءً أكان يشعر أم لا، وسواء أكان هذا التعامل مباشرًا أم غير مباشر. يبدأ الإنسان تعامله مع نظم المعلومات الإدارية منذ أول أيام حياته، وقد لا يفارقها حتى بعد مماته. فتسجيل المولود الجديد عند الأحوال المدنية هو أحد تطبيقات نظم المعلومات التي تتبناها الدول في تنظيم رعاياها. ليس فقط الدولة، بل حتى المشفى الذي يُولد فيه الطفل سيقوم بتسجيل بيانات هذا الطفل وأسرته وحالته الصحية في سجلاته الرقمية. ومن هذه اللحظة، يبدأ الإنسان مشواره الطويل الذي يتقلّب فيه من نظام معلومات إلى آخر. فمن نظام الأحوال المدنية إلى موقع أمازون للتسوق الإلكتروني، ومن نظام بيانات المشفى إلى منصة الطالب الجامعي، كل ذلك يمثّل تلك التقلبات من نظام معلومات إلى آخر.

2 – متى بدأت نظم المعلومات الإدارية؟

هذا السؤال يتضمن سؤالين محتملين: أولهما هو متى ظهر تخصص نظم المعلومات الإدارية؛ والآخر هو متى بدأ الإنسان في تنظيم بياناته؟ الأمر مشابه جدًا بأن يسأل أحدهم: متى بدأ تخصص الرياضيات؟ أو أن يسأل: متى بدأ الإنسان في العد؟

وأرى أن الإجابة عن السؤال الثاني، عن البدايات الإنسانية، يشكّل دائمًا قاعدة صلبة للفهم.

2.1 – لنبدأ اولًا بالفرق بين البيانات Data والمعلومات Information.

جمع البيانات والتعامل معها وتحليلها قديم بقدم الإنسان نفسه. فكل شيء حولنا يحمل مجموعة من البيانات، مثل درجة الحرارة أو موقع الشمس والقمر في السماء. عندما نتحدث عن البيانات، فإننا نشير إلى تلك الوجودات المجرّدة من كل معنى، وبكلمات أبسط: إلى تلك الأشياء الموضوعية التي لا تحمل أي معنى في ذاتها. فدرجة الحرارة المئوية لا تحمل في ذاتها أي معنى، هي مجرد رقم موضوعي نراه على شاشات الهواتف الذكية.

فكيف إذًا نستفيد من أشياء لا معنى لها؟!

هنا يأتي دور عمليات المعالجة (أو إضفاء المعنى) على تلك البيانات لتكون ذات قيمة نستطيع الاستفادة منها. عندما نعود إلى مثال درجة الحرارة، تخيل أنك تنظر إلى شاشة الهاتف فترى أن الحرارة عصر هذا اليوم هي 25 درجة مئوية. قد يكون أول ما يتبادر إلى ذهنك هو: هذا طقس مناسب للخروج إلى الشاطئ! أو للعب كرة القدم! .. ما الذي حدث هنا؟ إن ما حدث هو أننا قمنا بتحويل ذلك الرقم البياني الجامد الذي لا معنى له إلى شيء له معنى، وهذا ما يُطلق عليه: معلومة.

هذا هو الفرق بين البيانات والمعلومات. البيانات هي المواد الخام التي يستخدمها الإنسان في عمليات المعالجة لإنتاج المعلومات. قد لا يبدو هذا الفرق مهمًا، ولكن حاول أن تفكر في كمية المعلومات التي نستطيع إنتاجها باستخدام هذا الرقم البياني: 25 درجة مئوية. ماذا يعني هذا الرقم بالنسبة لعالم الفيزياء؟ وماذا يعني بالنسبة لسائح في جزيرة هاواي؟ وماذا يعني بالنسبة لساكن الصحراء؟ وماذا يعني بالنسبة لساكن سيبيريا ذات الطقس المتجمد؟ إجابة كل سؤال هي معلومة مختلفة عن الأخرى ولكنها مستخرجة من نفس البيانات: 25 درجة مئوية.

2.2 – إذًا، متى بدأت نظم المعلومات؟

هل تستطيع تخيل أحد تجار العرب قبل الإسلام وهو يقوم بكتابة ما لديه من رؤوس غنم على ورقة، وتوثيق كل عمليات البيع والشراء التي يقوم بها يوميًا، وتسجيل بيانات العاملين لديه ومعاش كل واحد منهم بالإضافة إلى تواريخ دفع هذه المعاشات؟ إن ما يقوم به هذا التاجر العربي هو نظام معلومات إدارية. لأنه يقوم بجمع وتخزين البيانات ليستخدمها بعد ذلك في حساباته ومعالجاته وتحليلاته واستعراض ما قام به من أعمال أمام نفسه أو أمام الآخرين.

لا يختلف هذا العمل في جوهره عما تقوم به الشركات العصرية من جمعٍ وتخزينٍ ومعالجةٍ للبيانات التي تمتلكها. هذا هو ما يُعنى به تخصص نظم المعلومات الإدارية بالضبط.

فتنظيم البيانات بدأ مع فجر الإنسانية، ورافق الإنسان في جميع حضاراته، فازدهر في ظلها وازدهرت هي به. فظلّ الإنسان يستعين بها في تجارته وإدارة أمواله، كما استعانت بها الدول في تنظيم شؤون رعايها.

2.3 – نظم المعلومات كتخصص أكاديمي.

عندما قامت الثورة الصناعية في أوروبا، تزايدت الحاجة إلى نظم المعلومات لتنظيم بيانات الشركة ومساعدتها في صنع القرار المناسب في الوقت المناسب. ولكَ أن تتخيل كيف كان يتم جمع وتخزين واستخراج البيانات في عصر ما قبل الحوسبة الإلكترونية، عصر الورق. كانت كل هذه العمليات تتم يدويًا وباستخدام أدوات مادية ثقيلة تتطلب مساحة كبيرة للتخزين (المستودعات والأرشيفات الورقية الضخمة)، كما تتطلب جهدًا بشريًا عاليًا لتخزينها واستخراجها ومعالجة بياناتها للاستفادة منها، ناهيكَ عن الوقت الذي يتطلبه كل ذلك.

Old Archive كم من المساحة والجهد والوقت سيهدره العمل هنا؟!

عندما بدأ عصر الحوسبة الإلكترونية في القرن العشرين، وبالتحديد عندما انتقل الحاسب الآلي من المجال العسكري إلى المجال التجاري، بدأت كبرى الشركات في التطلع إلى هذا الاختراع العظيم لكونه الأمل الوحيد للتخلص من أعباء الطرق التقليدية لتنظيم المعلومات. فالحاسب الآلي يمنح تلك الشركات ما تريده بالضبط: قدرتَيْ تخزين ومعالجة عاليتين باستخدام مساحة صغيرة وسرعة عالية.

بدأت الشركات والمؤسسات في تبنّي نظم المعلومات، فزاد الطلب -بطبيعة الحال- على من يبرع في تصميم وإنشاء هذه النظم الحديثة. وفي ستينيات القرن الماضي، وُلد في أروقة الجامعات تخصص جديد يحمل اسم نظم المعلومات الإدارية Management information Systems. ولأنه قد وُلد في زمن وجدت فيه نظم المعلومات رفيقة دربها الجديدة: تقنيات المعلومات Information Technology، فقد ارتبطت دراستها بالحاسب الآلي وأدواته. ما لبث هذا التخصص أن انتشر في أغلب الجامعات العالمية، ولا زال يحافظ هذا التخصص على الطلب العالي عليه، لكونه يقدم إلى المؤسسات المتخصصين والعاملين على النظم الإدارية بشكلها الجديد، والتي يقوم عليها عالمنا اليوم في كل مجالاته

3 – ماذا يتوقع الدارس من هذا التخصص؟

هذا الوثاق الشديد بين نظم المعلومات الإدارية وبين تقنية المعلومات والاتصال (أي الحاسب الآلي باختصار)، هو في الواقع وثاق يشدّ هذا التخصص إلى عدة مجالات (وتخصصات أخرى). وهذا ما يعود بنا إلى مقدمة هذا الموضوع، عندما قلتُ أن هذا التخصص هو مزيج من الإدارة والحاسوب.

الطالب الذي يقرر التخصص في هذا المجال سوف تنقسم موادّه إلى مواد إدارية وموادّ حاسوبية. فهو يأخذ من كل مجال عناوينه العامة التي تساعده في إنشاء نظم المعلومات.

فمن المواد الإدارية سوف يدرس المحاسبة والإدارة المالية والاقتصاد بقسميه الجزئي والكلي، بالإضافة إلى مواد أخرى مثل بحوث العمليات وإدارة المشاريع وإدارة العمليات.

أما الجانب التقني فيتضمن لغات البرمجة وقواعد البيانات وشبكات الحاسب الآلي ونظم التشغيل وأمن المعلومات.

لن تتعمق المواد إلى أكثر مما يُستفاد منه في تطوير نظم المعلومات.

4 – أين سيعمل المتخصص في نظم المعلومات؟

حيثما وُجدت البيانات، وُجدت وظيفة للمتخصص في نظم المعلومات. فالتخصص في هذا المجال لا يعني فقط أنك ستقوم بكتابة السطور البرمجية كل يوم، بل هو يمتد ليشمل وظائف تحليل البيانات وأمن المعلومات، بالإضافة إلى تطوير نظم البيانات (والتي تحتلّ البرمجة جزءًا منها وليس كلها).

نظم المعلومات توجد في المؤسسات الحكومية وفي المستشفيات والبنوك والشركات الصغيرة والكبيرة ومواقع التسوق الإلكتروني، وفي كل منشأة تستعمل الحاسب الآلي في إدارة أعمالها.