صورة لشحاذ يعزف على أداة موسيقية صينية لطلب المال من المارة. التشوهات والطفل الجائع هي ما ترق له قلوب المارة، وليس الموسيقى. بكين, 2014

مشهد يتكرر كثيرًا في مدن الصين، وبالخصوص: المدن الكبيرة منها، وبشكل أخصّ: أماكن كثرة السيّاح الأجانب.

قد تمر فترى عجوزًا على وسادة قديمة وتحت بطانية رثّة، ومن منظرها تستطيع الجزم بأنها لم تستحم أبدًا. أو تمشي لترى شيخًا يقوم ويسجد أمام المشاة وهو يقول: “شكرًا لكم! شكرًا لكم!”، راجيًا بذلك أن يتفضل أحدهم عليه ليضع مبلغًا بسيطًا من جيبه في الصندوق المعدني. بل قد ترى شابًا مقطوع الأطراف يجلس على قارعة الطريق كاشفًا عن تشوّهاته لجميع الناس كي ترقّ قلوبهم فيحسنوا إليه بالمال. وقد تتفاجأ أيضًا بأن يأتي أحدهم إليك حيث تجلس فيربّت على كتفك ويشير بيمينه إلى علبة معدنية، وبشماله يشير إلى فمه وهو يقول: “طعام! طعام!”.

منذ أن سمعت من كثير من الأشخاص أن الحكومة الصينية أطلقت العديد من المشاريع والبرامج التي ترعى الفقراء، وأن هؤلاء الأشخاص ليسوا كما يظهر لنا بل وراءهم عصابات لا تتورع عن تشويههم ليسهل عليهم الحصول على المال، إن لم يكونوا هم أنفسهم جزءًا من عصابة ما تستعطف قلوب الناس لتجمع الأموال، أو ربما هم مجرد أشخاص عاديين يبحثون عن المال دون عمل، منذ أن سمعت كل ذلك وأنا أمتنع عن إعطائهم النقود، ولكني أعطيهم ما قد أحمله من طعام. ولكن، هل وجود البرامج الحكومية يعني بالضرورة أن الجميع يستفيد منها؟

في كل مرة يصادفني هذا الموقف، فيأتي -أو تأتي- إلي شحّاذ يطلب المال، ولا أجد لدي طعام أعطيه، تبدأ تلك القوى العاطفية في داخلي تتصارع مع القوى العقلية، صراع مرير يدوم لمدة ثوانٍ معدودة. كل ما يتطلبه الأمر هو الإبقاء على ذلك الصراع جاريًا إلى أن يرحل الشحاذ عني، فأقول لنفسي: “حسنًا، لقد رحل. لا يمكنني فعل شيء الآن حتى وإن أردت ذلك”. ولكن، قد يتأخر ذلك الشحاذ في الرحيل، وأفقد مقدرتي على إبقاء الصراع جاريًا، وتنتصر العاطفة. أنظر إلى وجهه، وأمد يدي إلى جيبي فأراه قد استبشر، أعطيه النقود فيشكرني ويرحل، ليتركني في مكاني هناك أفكر فيما جرى للتو.

من المواقف التي لم أنسها -ولن أنساها-، هي عندما جاءني رجل عجوز يمشي على عكاز وطلب مني النقود، أعطيته ما بيدي من بقايا وجبة الغداء، فركع أمامي شاكرًا. أمسكت به بسرعة لكيلا يكمل ركوعه، رفعته وقلت له لا بأس! وتركته يرحل. بعد مرور شهر أو أكثر، عدتُ إلى نفس المكان ورأيته يستجدي بنفس الطريقة. عندما رآني، أتى لي وقال: “لا زلتُ أتذكرك! أنت هو الشخص الذي أعطاني الطعام قبل فترة.” بادلته التحية والابتسامة ورحلت.

ومن المواقف أيضًا، وهذه المرة موقف طريف: كنت جالسًا في نفس المكان الماضي، وجاءني شخص يتوكّأ على عكاز أيضًا ليطلب المال، فنهره صاحب المكان وأمره بالرحيل وأخذ يدفع به بعيدًا. غضب الشحاذ فرفع عكازه في وجه صاحب المكان وشتمه، ثم رحل غاضبًا حاملًا عكازه، لكنه لم يكن يتوكّأ عليها عندما رحل. لا زلتُ أرى هذا الرجل في نفس المكان، ولا زال صاحب المكان ينهره فيرحل.