دخل صديقان إلى شقة صديقهما الثالث، وجلسا على الأريكة. وبينما كان صديقهم الثالث في المطبخ المجاور يعدّ لهم الطعام، قرّر أحدهم قتل الوقت بأن يسأل صديقه سؤالاً لا معنى له ولا هدف: -هل ترى ذلك الكوب بجانب التلفاز؟

– نعم، ما شأنه؟

– هل تستطيع أن تحزر ما إن كان المشروب الذي بداخله باردا أم ساخناً؟

الصديق، مقهقهاً:

– أحزر؟! بل أستطيع أن أؤكد لك، يا صديقي العزيز، أن المشروب الذي بداخله هو مشروب ساخن!

– تؤكد لي؟! وكيف تكون متأكداً دون أن تلمس الكوب حتى؟!

الصديق، متحذلقاً:

– لا أحتاج إلى لمس الكوب لأعرف ذلك. سأسير معك خطوة خطوة حتى أبيّن لك هذه المسألة.

– تفضل!

يتقدم الصديق بجذعه إلى الأمام، ويشبك يديه، ويسأل وهو ينظر إلى الأرض:

– في أي فصل من السنة نحن الآن؟

– الشتاء!

– حسناً، وبالنظر إلى شكل الكوب، هل هو مصنوع للمشروبات الباردة أم الساخنة؟

ينظر إلى الكوب ذي اللون الأزرق، والعروة الممتدة من رأسه حتى قاعه. ثم يلتفت إلى صديقه ويجيب:

– للمشروبات الساخنة!

– عظيم! بما أننا في فصل الشتاء، وبما أنه كوب للمشروبات الساخنة، إذاً، عقلاً!، فالمشروب الذي بداخله مشروب ساخن!

يقول هذا بنبرة أقرب لنبرة الفلاسفة، ويحرص على التشديد على كلمة “عقلاً”! يبهت الصديق/السائل للحظة، ثم يتساءل مجدداً:

– إذا كان هذا صحيحاً، فلماذا لا يتصاعد منه أي بخار؟

– إن كنت لا ترى البخار، فهذا لا يعني أنه غير موجود! بل على عينيك غشاوة تمنعك من رؤيته!

يبهت مرة أخرى. فيرجع الصديق الفيلسوف بجذعه إلى مكانه مستندا على ظهر الأريكة. ولكن الصديق/السائل لا ييأس، فينهض ليلمس الكوب، فيجده باردا!

– إن الكوب بارد، يا ذكي!

يرد عليه الصديق/الفيلسوف من وراء نظارته، وبنبرة أكثر فلسفة:

– المشروب في أصله كان ساخناً! ولكن الظروف المحيطة به جعلته بارداً! انظر إلى المكيف وهو ينفث الهواء البارد! إن المشروب في جوهره وهيولته قابلٌ لأن يستحيل من السخونة إلى البرودة! إذاً فبرودة المشروب طارئة وظرفية وليست أصلية وذاتية!

يُصعق الصديق/السائل من هذه الاجابة، التي لم يفهم الكثير من كلماتها، ويُصعق أكثر لجهله بكل هذه المصطلحات. يعود إلى مكانه صامتا، ويثبت نظره على شاشة التلفاز التي نُظّفت جيداً.

وبينما كان الصديق الثالث في المطبخ يسمع ما يدور في غرفة الجلوس، ترتسم على شفتيه ابتسامة ساخرة، ويتذكر كيف أنه لم يجد إلا هذا الكوب ليسكب فيه سائل تنظيف الزجاج، معتدل الحرارة، لينظف به شاشة التلفاز.