هل تختفي الملفات بعد حذفها من الهاردسك؟
عندما ترغب في التخلص من ملف ما، فكل ما عليك هو أن تضغط زر “حذف”، ثم الموافقة على الحذف، وبعدها سيختفي الملف إلى الأبد. ولكن، هل تختفي الملفات فعلا بعد حذفها من الكمبيوتر أو الهاردسك؟
سؤال قد يقلق البعض، لأن السؤال المشابه له سيكون: هل يمكن استرجاع الملفات التي حذفتها ولا أريد لأحد أن يصل إليها؟
إن أردت الإجابة المختصرة، فهي: نعم، يمكن استرجاع الملفات حتى وإن حذفتها بشكل نهائي من الهاردسك.
وأما إن أردت الإجابة التفصيلية والحل المناسب، فأرى أنه من المهم أن نفهم أولًا كيف يتم تخزين الملفات والوصول إليها داخل وسائل التخزين المتعارف عليها.
كيف يتم تخزين البيانات/الملفات؟
عندما تزيل الغلاف الخارجي للهاردسك، فلن ترى فيه أي شيء يشبه أو يمكن أن يشبه الصور والملفات التي قمت بتخزينها فيه، ذلك لأن الملفات لا يتم تخزينها كما هي داخل وسائل التخزين، بل يتم “تحويلها” إلى سلسلة رقمية طويلة مكونة من الرقمين 0 و 1، ومن هنا أتى الاسم: ملفات رقمية، أي أنها مخزنة على شكل أرقام. يمكننا أن نقوم بتحويل كل البيانات إلى صيغة رقمية باستخدام الرقمين 0 و 1 إذا قمنا بتكوين سلاسل طويلة من هذين الرقمين. فمثلًا، لنفترض أننا نريد تخزين أسماء أربعة أشخاص ولكن على شكل أرقام، الأسماء هي: محمد، أحمد، حامد، محمود. يمكننا في هذه الحالة أن نعطي لكل اسم سلسلة رقمية خاصة به من الرقمين 0 و 1. فنقول:
- 00 : محمد
- 01 : أحمد
- 10 : حامد
- 11 : محمود
وبهذا نكون قد استعطنا ترميز هذه الأسماء باستخدام الأرقام، فحيثما رأينا الرقم 00 سنعرف أن الشخص المقصود هو محمد. وهكذا.
هذا مجرد مثال توضيحي. ولكن ما يحصل بداخل الحاسب الآلي وأجهزة التخزين هو أمر مشابه لما فعلناه هنا، وقد يكون الفرق الوحيد هو أن تخزين الملفات (صور، موسيقى، نصوص، … إلخ) يحتاج إلى سلاسل أطول من مجرد خانتين رقميتين كما هو الحال في مثالنا هذا. الخانة الواحدة من هذه السلسلة اسمها بت (Bit)، أي أن البت الواحد هو خانة قد تكون 1 أو 0. تخزين ملف وورد قد يحتاج ملايين البتات، أما تخزين صورة بجودة عالية يحتاج إلى مليارات من البتات.
أجهزة التخزين الحديثة تختلف باختلاف طريقة التخزين. هنالك مثلًا الأقراص الممغنطة، حيث تنتشر على سطح القرص اللامع مليارات من الوحدات الصغيرة جدًا، والتي يمكن التحكم في خصائصها المغناطيسية، فيمكن توجيهها نحو الشمال المغناطيسي أو نحو الجنوب المغناطيسي، كل وحدة على حدى. باستخدام هذه الخاصية المغانطيسية لهذه الوحدات، يمكننا تمثيل الرقمين 0 و 1، فإن كان المغناطيس متجهًا نحو الشمال (مثلًا) فهو يمثل الرقم 0، أما إن كان متجهًا إلى الجنوب فهو يمثل الرقم 1. يستطيع الكمبيوتر التعرف على هذه السلاسل الرقمية عن طريق قراءة الاتجاه المغناطيسي لكل وحدة من هذه الوحدات (وبسرعة هائلة). أي أنّ كل وحدة من هذه الوحدات المغناطيسية المنتشرة على سطح القرص هي بت واحد.
صورة توضيحية للوحدات المغناطيسية على سطح الهاردسك
وإلى جانب التخزين المغناطيسي، هنالك التخزين الإلكتروني. وهو لا يختلف عن النوع الأول من ناحية المبدأ، إلا أنه يستخدم الشحن الإلكتروني بدلًا عن التوجيه المغناطيسي. فإن كانت الوحدات مشحونة إلكترونيًا فهي تمثل الرقم 1، وإن لم تكن مشحونة فهي تمثل الرقم 0.
كيف يمكن الوصول إلى البيانات بعد تخزينها؟
عندما تتصفح ملفات الهاردسك، ستراها مصنفة داخل ملفات كاملة كما هي. وعندما تقوم بفتح ملف ما ستراه أمامك في رمشة عين. كيف يستطيع الكمبيوتر الوصول إلى ملفاتك بهذه السرعة؟ وكيف يعرف البتّات الخاصة بهذا الملف من بين مليارات البتات المنتشرة في أرجاء الهاردسك؟
في الواقع، من الصعب -بل قد يستحيل- الوصول إلى البتات الخاصة بكل ملف بهذه السرعة، لأن التخزين عادة ما يكون بشكل أقرب إلى العشوائية، وذلك يساعد في -صدق أو لا تصدق- تحسين الأداء وزيادة السعة التخزينية. السر هو أن أنظمة التشغيل تحاول بقدر المستطاع أن تستفيد من كل مساحة تخزينية فارغة، مما يضطرها إلى تجزيء بعض الملفات إلى أجزاء أصغر يمكن تخزينها في مساحات صغيرة بين ملفات أخرى. هذه القدرة على الاستفادة من المساحات الفارغة المتناثرة تؤدي إلى تشتيت أجزاء الملف الواحد، فلا يعود هذا الملف كتلة واحدة، بل مجموعة أجزاء في مناطق مختلفة من جهاز التخزين. لفهم ما يحصل بصورة أوضح:
قبل تجزيء الملف:
لا يوجد على جهاز التخزين متسع للملف الجديد، على الرغم من أن وجود مساحات فارغة كثيرة
بعد تجزيء الملف:
عندما نقوم بتجزيء الملف إلى عدة أجزاء صغيرة، نستطيع تخزينه في تلك المساحات الفارغة، وهكذا نستطيع أن نستفيد من تلك المساحات التي لم تكن الواحدة منها تتسع لملف كبير
ولكن ما الفائدة من هذا التخزين إن لم تكن الملفات مكتملة؟ وهل يمكن فعلًا أن نستعيد هذا الملف من شتاته؟
كما قلنا، الإجابة هي أننا لا نستطيع تجميع هذه الملفات، ولكن لكل مشكلة حل. في حالتنا هذه، الحل هو الفهرسة. في كل نظام تخزين هنالك جزء محجوز لتدوين معلومات أساسية لكيفية الوصول إلى الملفات، وهذا ما نسميه الفهرس، أي أن هذا الجزء هو بمثابة الخارطة التي يرجع إليها الكمبيوتر لمعرفة أماكن الملفات المخزنة على هذا الهاردسك، هذا الأرشيف لا يحتوي على الملف نفسه، بل هو عنوان لمكان هذا الملف. يمكننا تشبيه هذا الفهرس بفهرس الكتب. عندما تريد أن تعرف مكان فصل معين من الكتاب، فإنك ترجع إلى الفهرس الذي سيخبرك برقم الصفحة. بطبيعة الحال، لا يحتوي هذا الفهرس على الفصل الذي تبحث عنه، إنما معلومات عن كيفية الوصول إلى هذا الفهرس.
سأضطر هنا إلى استخدام مثال آخر لتقريب الصورة أكثر. لنتخيل معًا مستودعًا لتخزين البضائع. هذا المستودع يحتوي على آلاف الأرفف التي توضع عليها صناديق البضائع. وعند وضع أي صندوق على أي رف، يقوم مسؤول المستودع بتسجيل رقم هذا الصندوق مع رقم الرف الذي وُضع عليه. حتى إذا أراد أحدٌ ما الوصول إلى هذا الصندوق من جديد، فكل ما عليه هو النظر إلى سجل المستودع: الصندوق رقم 8700 على الرف رقم 23-989.
هكذا يعمل الهاردسك، وهكذا تستطيع الوصول إلى ملفاتك كما هي بداخله وبلمح البصر. فبوجود هذه الخارطة الرقمية، يعلم الكمبيوتر أين يجب أن يذهب ليجد الملف المطلوب. ولكن القصة لا تنتهي هنا .. فلا زلنا لا نعلم كيف يتم حذف الملفات (الصناديق).
ماذا يحدث للملفات بعد حذفها؟
الإجابة البديهية عن هذا السؤال، هي أن الملفات يتم حذفها عن طريق مسح تلك السلاسل الرقمية التي تعبّر عن هذا الملف،أي القضاء على كل ما يحمل معلومات هذا الملف من الهاردسك نهائيًا، وفي مثال المستودع: الذهاب إلى الرف وإزالة الصندوق من فوقه. هذه الطريقة صحيحة، نظريًا!
ولكن ما يحدث في الواقع، هو أن الكمبيوتر يقوم بمسح عنوان هذه الملفات المحذوفة من الفهرس (الخارطة)، وليس الملفات نفسها. أي أن الملفات تبقى في مكان ما على ذلك الهاردسك، ولكنها تختفي من الشاشة، ببساطة لأن الكمبيوتر عندما نظر إلى فهرس الهاردسك لم يجد عنوانًا لهذا الملف. تلك البتّات الضائعة (أو اليتيمة!) للملف المحذوف تبقى كما هي في مكانها، وباستطاعتك إعادة لم شتاتها باستخدام بعض البرامج المخصصة لذلك، وهكذا يستطيع البعض استعادة الملفات المحذوفة حتى وإن حُذفت بشكل نهائي.
هل تشعر ببعض الصعوبة في فهم ذلك؟ لنعد إلى مثال المستودع. لنفترض أنك تريد التخلص من الصندوق رقم 87 الموضوع على الرف رقم 98-233. ما سيقوم به مسؤول المستودع (لو افترضنا أنه يعمل كما يعمل الهاردسك) هو إخراج سجل المستودع، ثم شطب الخانة الخاصة بالرف 98-233. وهكذا يكون الصندوق قد اختفى من السجلات، ولكنه لا يزال في مكان ما داخل المستودع سليمًا لم يمسه سوء. الآن، عندما يأتي شخص آخر بصندوق جديد لتخزينه في هذا المستودع، سينظر المسؤول في السجلات، ثم سيقول له: “الرف 98-233 فارغ، اذهب إلى هناك وتخلص من الصندوق الذي عليه وضع صندوقك مكانه”. يذهب هذا الشخص إلى الرف المطلوب، يتخلص من الصندوق القديم ويضع الجديد مكانه.
والآن نعود مرة أخرى إلى الكمبيوتر لنرى كيف ينطبق هذا المثال. عندما تريد إضافة ملف جديد، ينظر الكمبيوتر إلى فهرس الملفات، فإن كان هنالك مكان ما على الهاردسك غير مسجل على ذلك الفهرس، سيذهب إلى ذلك المكان ويقوم بمسح البتّات القديمة الخاصة بالملفات المحذوفة ثم يخزّن في مكانها تلك البتات الخاصة بالملف الجديد الذي أضفته لتوك. قد لا يكون الملف الجديد بنفس حجم الملف القديم (أي أنه يحتاج إلى بتات أقل)، ولذلك سيتم استبدال جزء من تلك البتات القديمة، وليس جميعها.
إذن، ما الحل؟
هنالك عدة حلول. أولها هو تدمير الهاردسك بشكل كامل .. وفي الواقع هذه هي الطريقة الأفضل للتخلص من البيانات، وهي الطريقة المفضلة عند بعض الشركات الكبرى والحكومات للتخلص نهائيًا من كل ما يمكن استغلاله لاسترجاع المعلومات الحساسة.
إن لم تعجبك هذه الطريقة، فيمكنك استخدام برامج مسح الهاردسك ( To wipe the hard drive). عملية المسح لا تكتفي بمجرد مسح فهرس الملفات، كما هو الحال في إعادة التهيئة (Format)، بل تقوم بمسح جميع البيانات الموجودة على القرص.
وإن لم تكن تريد استخدام هذه البرامج، فيمكنك استخدام طريقة تقليدية ولكنها تأخذ وقتًا أطول:
قم أولًا بإعادة تهيئة الهاردسك (فرمتة الهاردسك)، ثم املأه بملفات أخرى لا يهمك إن رآها شخص آخر (مثل الفديوهات التي تأتي بشكل افتراضي مع الويندوز)، ثم أعد العملية مرة أخرى. قم بتكرار هذه العملية مرتين أو ثلاث مرات (إلى أن يطمئن قلبك)، وبهذا تكون قد تخلصت من أي أثر يمكن أن يقود إلى ملفاتك القديمة.