مراجعة لكتاب "أعظم استعراض على وجه الأرض"
النسخة الإنجليزية للكتاب
في كتابه The Greatest Show on Earth، يناقش عالم الأحياء التطوري ريتشارد دوكنز الأدلة العلمية على ما يسميه “حقيقة” التطور بدلًا من “نظرية” التطور. يبدأ دوكنز كتابه بمناقشة هذه النقطة بالذات، وذلك ردًا على من يقول بأن التطور “مجرد نظرية لم تثبت صحتها ولا تُعتبر حقيقة علمية”. أما في الفصول اللاحقة، فيبدأ دوكنز في نقاش الأدلة العلمية واحدًا تلو الآخر في كل فصل من فصول الكتاب. يتميز الكتاب من وجهة نظري بأمور ثلاثة جعلت قراءته رحلة ممتعة امتدّت شهرًا لم أقتصر فيه على المعلومات الواردة فيه، فكنت أستعين بالإنترنت للتوسع في بعض المواضيع التي يطرحها الكاتب. هذه الأمور الثلاثة هي:
-
سلاسة الطرح، إذ أنه موجّه إلى غير المختصين -وغير الأكاديميين- من الناس، فهو يتوسع في شرح كل النقاط وكأنه يفترض عدم إلمام القارئ بالمفاهيم الأساسية للمواضيع المطروحة.
-
تنوّع الحقول العلمية التي يخوضها الكاتب برشاقة من أجل التفصيل في كل دليل علمي يريد طرحه، فقد تجد نفسك تخرج من علم الأحياء لتدخل في الكيمياء، أو الجيولوجيا، أو الجغرافيا، أو حتى الرياضيات والبرمجة في بعض العناوين الفرعية.
-
يمكنك قراءة الفصول بشكل عشوائي دون أن يتأثر فهمك – كثيرًا – للمادة العلمية المطروحة في الفصل. بالطبع، قراءة الفصول بالترتيب سيعطيك نظرة أكثر اتساقًا مع الفصول السابقة، وهذا ما أقترحه في حال أردت قراءة الكتاب.
نظرة عامة على نظرية التطور
تُعدّ نظرية التطور إحدى أكثر النظريات التي واجهت جدلًا واسعًا منذ أن طرحها عالم الأحياء تشارلز دارون في نهاية القرن التاسع عشر. بدأ الأمر عندما قام دارون بنشر كتابه أصل الأنواع (On the Origin of Species) الذي يفصّل فيه تفسيره لتشابه المخلوقات الحية ولتكيف كل نوع منها مع بيئته. هذا التفسير (الذي لم يكن دارون سبّاقًا إليه، ولكنه قد يكون أول من صاغه في نظرية علمية) يمكن تلخيصه في نظرية التطور عبر الانتخاب الطبيعي (Evolution by natural selection)، أي أن المخلوقات الحية – كنوع كامل، وليس كأفراد – تتكيف مع بيئتها بسبب التغيرات الطفيفة التي تطرأ على كل جيل.
هذه التغيرات الطفيفة جدًا في أغلبها قد تكون في صالح بقاء الفرد (أي أنها تغيرات إيجابية)، وقد تكون في غير صالحه (تغيرات سلبية). الأفراد المحظوظون، ممن حصلوا على التغيرات الإيجابية، لديهم فرصة أكبر للنجاة في صراع البقاء، مما يعني أن لديهم فرصًا أكثر لتوريث صفاتهم الجيدة إلى الجيل الذي يليهم (والذي بالطبع ستطرأ عليه تغيرات أخرى قد تكون وقد لا تكون في صالحه). أما أولئك الأفراد تعيسو الحظ، الذين ابتلوا بتغيرات جعلتهم أضعف من غيرهم في صراع البقاء، فإنهم غالبًا ما يموتون قبل توريث صفاتهم إلى الجيل الآتي، او أنهم لا يورثونها إلا إلى عدد قليل لا يكفي لبقاء تلك الصفات طويلًا عبر الأجيال. وكما قال دارون، فإن “البقاء للأصلح”، أي أن البقاء لا يكون إلا من نصيب أولئك الذين يصلحون للبقاء ضمن بيئتهم المحفوفة بالتحديات. هذا الصراع الذي يقوم بغربلة الأفراد ليختار الصالح منهم ويستبعد ما سواه هو ما يُطلق عليه الانتخاب الطبيعي. بسبب هذا الانتخاب الطبيعي، انقسمت تلك الخلية الحية الأولى، واستمرت في الانقسام المصحوب بتغيرات طفيفة في الصفات، والتي تتراكم في كل جيل من الأجيال الممتدة عبر مئات ملايين السنين، لتكون النتيجة هي ما نراه اليوم من تنوع الأحياء الذين يشتركون جميعهم في نسبٍ يجمعهم بتلك الخلية الأصل (لا نملك أي سبب يجعلنا نعتقد أن تلك الخلية كانت أنثى – أم).
كانت هذه هي الفكرة العامة التي طرحها تشارلز دارون، والتي اعتمد فيها بشكل أساسي على ملاحظة الاختلافات والتشابهات الظاهرية بين المخلوقات الحية. أما اليوم، وبعد 150 سنة تقريبًا من كتاب أصل الأنواع، فقد تقدمت النظرية كثيرًا واكتسبت مكانة علمية مرموقة، وذلك بفضل التقدم العلمي في مجالات علم الأحافير وعلم الجينات (التي لم يكن دارون على علم بوجودها) وعلوم الأرض وعلوم الكيمياء، كما لا ننسى التقدم التكنولوجي الذي أطلق العنان لجميع تلك المجالات. فاليوم لا تقتصر النظرية على الشكل الظاهري للمخلوقات الحية من أجل إثبات نفسها، بل تظافرت جميع تلك العلوم واتفقت على صحتها وصحة تنبؤاتها.
من هذه الأدلة جميعها، ينطلق دوكنز في تفصيل كل واحد على حدى عبر الفصول الإثنى عشر ضمن الكتاب:
- مجرد نظرية؟ يناقش هذا الفصل مفهوم النظرية العلمية في قبال المفهوم المتداول لكلمة النظرية، وهل كون التطور نظرية يعني أنه غير ثابت علميًا أم لا.
- الكلاب، والأبقار، والكرنب: يتحدث عن مفهوم الانتخاب الصناعي للصفات، حيث يقوم البشر بانتخاب أفراد معينين يحملون صفات مرغوبة لتحسين الأجيال القادمة من المخلوق الحي.
- طريق زهرة الربيع نحو التطور الأكبر: انطلاقًا من الانتخاب الصناعي الذي يؤدي لتحسين النسل وتغير الصفات، يشرح المؤلف كيف أن هذا الانتخاب يمكن أن يحدث دون تدخل عاقل من البشر، وهو ما يسمى بالانتخاب الطبيعي.
- الصمت والزمن البطيء: تفصيل دقيق في الطرق المستخدمة لقياس الأزمنة التطورية: جذوع الأشجار والنظائر الكيميائية المشعة
- أمام أعيننا: يطرح أمثلة على تطور في الأنواع يمكننا ملاحظته ودراسته خلال حياتنا القصيرة.
- الحلقة المفقودة: يناقش السجل الأحفوري للكائنات الحية، ويرد على القائلين بأن السجل الأحفوري ينقصه كثير من الحلقات المفقودة.
- أشخاص مفقودين؟ ليس بعد اليوم: إسهاب في تاريخ تطور البشر بمختلف أنواعهم: البشر الحاليين والقدماء
- لقد فعلتها بنفسك خلال 9 أشهر: يعتمد هذا الفصل على نمو الأجنة البشرية لتوضيح كيف يمكن للأنظمة المعقدة أن تنشأ دون تدخل قوى عاقلة، بل باتباع قوانين فيزيائية\كيميائية بسيطة.
- سفينة القارات: يناقش التنوع الأحيائي في البيئات الجغرافية المختلفة.
- شجرة النسب: يستعرض التشابه الجيني بين المخلوقات الحية ليرسم شجرة الأنساب التي تنطلق من الأسلاف المشتركين لهذه المخلوقات
- التاريخ المكتوب علين يتحدث عن الأعضاء التي لا تزال موجودة في المخلوقات الحية ولكنها فقدت وظائفها التاريخية، ويستعين بها ليناقش فكرة التصميم الذكي
- سباق التسلح: التعايش البيولوجي وعلاقة المخلوقات الحية ببعضها البعض من جانب تطوري. يوضح هذه الفصل التغيرات التي تحدث في كل نوع لمقاومة تغيرات تحدث في نوع آخر.