لا يزال ChatGPT يتربع على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أن أتاحته الشركة المطوّرة له OpenAI للاستخدام العام. لقد كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة إلى درجة أنني لا أجد نفسي مضطرًا للتعريف به هنا. هنالك من يستخدمه لكتابة الأكواد البرمجية، وآخر يستعينون به لكتابة المقاالات والبحوث، وأيضًا لكتابة رسائل البريد الإلكتروني، بل حتى أنني رأيت من يطلب منه كتابة رسائل غرامية لشريك حياته. إن النصوص التي ينتجها هذا الشات تمتاز بجودة عالية جعلت البعض يتناقشون في كون هذه الآلة تمتلك قدرات عقلية شبيهة بالتي عند البشر أم لا.

شات جي بي تي هو أحد التطبيقات لفرع من فروع الذكاء الاصطناعي يُسمى بالنموذج اللغوي الضخم Large Language Model، وهو تقنية تقوم بتحليل النصوص البشرية وإعطاء كل كلمة قيمة معينة تُعبّر عن مدى شيوع استخدامها في الكلام البشري، وذلك بهدف “فهم” ما يقوله البشر، وكذلك لإنتاج إجابات تبدو وكأنها بشرية. كلما ازداد عدد الكلمات التي يستطيع النموذج أن يتعامل معها، ازدادت قدرته على تقليد اللغة الطبيعية والتفكير البشري. وهنالك أيضًا عوامل أخرى تؤثر في قوة الشات، مثل جودة النصوص المستخدمه في تلقينه (تدريبه).

هذه القدرة العالية على تحليل النصوص أثبتت أن ChatGPT هو أداة إبداعية يمكن الاستفادة منها بطرق وفي مجالات عدة، مثل خدمة العملاء والمساعدة على إتمام المهام الشخصية وحل المشاكل التي تقع في نطاق التحليل اللغوي (تلخيص المقالات واستخلاص المعلومات.. إلخ). لقد استخدمته أنا شخصيًا لتلخيص بعض المقالات الطويلة ولكتابة أسطر برمجية كانت ستأخذ مني وقتًا طويلًا لو كتبتها بنفسي. حتى أن بعض الناس صاروا يطلبون منه إعادة كتابة القصص والروايات الشهيرة ولكن بمسار قصصي مختلف.

ولكن كما أن هنالك مواطن قوة يمكننا استغلالها، هنالك أيضًا مواطن ضعف ينبغي أن نحذر منها عند استخدام ChatGPT أو ما يماثله من أدوات الذكاء الاصطناعي. أحد أهم مواطن الضعف في الشات هو أنه يعتمد على النصوص المتاحة على الإنترنت لكي يبني نموذجه اللغوي الذي يُنتج من خلاله الإجابات. هذا يعني أن الشات قد يرث المعلومات المغلوطة والمحتوى الضار (من عنصرية وعنف وغيرها) من النصوص التي يتغذى عليها. السلبية الثانية هي غياب التفاعل الإنساني الحقيقي، وهو جانب قد يكون ضروريًا جدًا في بعض الحالات عندما يكون الذكاء العاطفي والتعاطف الإنساني مطلوبين عند التحدث مع البشر. شات جي بي تي هو صندوق أسود تجري بداخله عمليات معقّدة جدًا لمعالجة النصوص بغرض فهمها وإنتاجها، وحتى من ابتكر هذه التقنية لا يستطيع أن يتنبأ بمخرجات هذا الصندوق، مما قد يجعله أداة خطرة في يد من لا يستطيع أن يتعامل معه بحذر.

الأمر الآخر يجب أن ينتبه إليه مستخدمو الشات هو خطره على أمن المعلومات. مع تزايد استخدام الشات من قبل عامة الناس، قد يقوم بعض موظفي الشركات بتزويده بمعلومات حساسة عن المنشأة التي يعملون فيها، مثل البيانات المالية والبيانات السرّية، لكي يساعدهم في إتمام بعض المهام المتعلقة بهذه المعلومات. من المهمّ أن نعي أننا عندما نتحدث مع الشات، جميع ما نقوله يتم نقله عبر الإنترنت إلى سيرفر آخر (كمبيوتر آخر) حيث تتم معالجته وتخزينه. صحيح أن الحدّ من هذه المخاطر صعب للغاية، إذ أن السلوك البشري هو المسبّب لهذه المخاطر، إلا أنه من الضروري أن يقوم مسؤولو أمن المعلومات في المنشآت بتحديث ضوابط أمن المعلومات ومحتوى الحملات التوعوية بالمخاطر التي تهدّد أمن المعلومات.

وأخيرًا أقول لمن قد يتساءل: نعم، هذا المقال بأكمله هو نتاج جهد بشري بذلته بنفسي، ولكن لا أستطيع إثبات ذلك أبدًا!